السؤال
ما حكم الجماع وتكراره في نهار رمضان؟ وإذا جامع المسلم زوجته في نهار رمضان ثم تكرر هذا الأمر في يوم آخر من رمضان، أو في رمضان آخر ولم يكن قد كفر، فهل عليه كفارة واحدة أو عليه عن كل يوم كفارة؟
اتفق الفقهاء على أن من جامع زوجته في نهار رمضان وتكرر منه الجماع في يوم واحد من أيام رمضان تجب عليه كفارة واحدة، واختلفوا فيمن تكرر منه ذلك الفعل في يومين من رمضان واحد، أو في رمضانين، ولم يكن كفَّر للأول، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية، والحنابلة في وجه، إلى أنَّه تلزمه كفارتان ما لم يكن كفَّر، وذهب الحنفية، والحنابلة في وجه، إلى أن من جامع زوجته في يومين من رمضانٍ واحدٍ تلزمه كفارة واحدة، واختلفوا فيمن جامع زوجته في يومين من رمضانين: فذهب الشيخان من الحنفية إلى أنه تجب عليه كفارتان؛ لأن لكل شهر حرمة على حدة، وذهب محمد بن الحسن، ووجه عن الحنابلة، إلى أنه تجزئه كفارة واحدة.
المحتويات
- حكم تكرار جماع الزوجة في نهار رمضان
- آراء الفقهاء فيمن جامع زوجته في يومين من رمضان أو في رمضانين ولم يكفر
حكم تكرار جماع الزوجة في نهار رمضان
اتفق الفقهاء على أن من جامع زوجته في نهار رمضان وتكرر منه الجماع في يوم واحد من أيام رمضان تجب عليه كفارة واحدة؛ وذلك لأن الفعل الثاني لم يصادف صومًا، واختلف الفقهاء فيمن تكرر منه ذلك الفعل في يومين من رمضان واحد، أو في رمضانين، ولم يكن كفَّر للأول، وبيان اختلافهم في ذلك على النحو الآتي:
آراء الفقهاء فيمن جامع زوجته في يومين من رمضان أو في رمضانين ولم يكفر
ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية، والحنابلة في وجه، إلى أن من جامع زوجته في يومين من رمضان واحد أو في رمضانين ولم يكفر تلزمه كفارتان؛ قال الإمام مالك في "المدونة" حين سُئل عن ذلك (1/ 285، ط. دار الكتب العلمية): [قُلْتُ: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَيَّامًا فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ، وَعَلَيْهَا مِثْلُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا وَعَنْ نَفْسِهِ، وَعَلَيْهَا قَضَاءُ عَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَتْهَا. قُلْتُ: فَإِنْ وَطِئَهَا فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مَرَّةً وَاحِدَةً] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 338، ط. دار الفكر): [فصل: وإن جامع في يومين أو في أيام لكل يوم كفارة؛ لأن صوم كل يوم عبادة منفردة فلم تتداخل كفاراتها؛ كالعمرتين، وإن جامع في يوم مرتين لم يلزمه للثاني كفارة؛ لأن الجماع الثاني لم يصادف صومًا] اهـ.
وقال الإمام الزركشي الحنبلي في "شرحه على مختصر الخرقي" (2/ 598، ط. دار العبيكان): [إذا جامع في يوم في رمضان، ثم لم يُكَفِّر حتى جامع في ذلك اليوم ثانيًا، فكفارة واحدة بلا نزاع؛ لأن الكفارات زواجر بمنزلة الحدود، فتتداخل كالحدود، وإن جامع في يوم ثم لم يكفر حتى جامع في يوم آخر فوجهان: أحدهما -وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي بكر في "التنبيه"، وابن أبي موسى-: لا يجب إلا كفارة واحدة، كما لو كانا في يوم، وقياسًا على الحدود، ولأن حرمة الشهر كله حرمة واحدة، فهو كاليوم الواحد، ولهذا أجزأ بنية واحدة على رواية.
والثاني: يجب عليه كفارتان، أو كفارات بعدد الأيام، اختاره ابن حامد، والقاضي في خلافه، وفي جامعه، وروايتيه، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، وصاحب "التلخيص"؛ لأنهما يومان لو انفرد كل منهما بالفساد تعلقت به الكفارة، فإذا عمهما الفساد وجب أن يتعلق بكل منهما كفارة، كاليومين من رمضانين؛ ولأن كل يوم بمنزلة عبادة منفردة، بدليل أن فساد بعضها لا يسري إلى بقيتها، واحتياج كل يوم إلى نية على المذهب. والله أعلم] اهـ.
وذهب الحنفية، والحنابلة في وجه، إلى أن من جامع زوجته في يومين من رمضانٍ واحدٍ تلزمه كفارة واحدة، واختلفوا فيمن جامع زوجته في يومين من رمضانين: فذهب الشيخان من الحنفية إلى أنه تجب عليه كفارتان؛ لأن لكل شهر حرمة على حدة، وذهب محمد بن الحسن، ووجه عن الحنابلة، إلى أنه تجزئه كفارة واحدة.
قال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 101): [ولو جامع في رمضان متعمدًا مرارًا بأن جامع في يوم ثمَّ جامع في اليوم الثاني ثم في الثالث ولم يكفر فعليه لجميع ذلك كله كفارة واحدة عندنا، وعند الشافعي عليه لكل يوم كفارة، ولو جامع في يوم ثمَّ كفَّر ثم جامع في يوم آخر فعليه كفارة أخرى في "ظاهر الرواية"، وروى زفر عن أبي حنيفة أنه ليس عليه كفارة أخرى، ولو جامع في رمضانين ولم يكفر للأول فعليه لكل جماع كفارة في "ظاهر الرواية"، وذكر محمد في "الكيسانيات" أن عليه كفارة واحدة] اهـ.
وقال العلامة الزبيدي في "الجوهرة النيرة على مختصر القدوري" (1/ 141، ط. المكتبة الخيرية): [(قوله: والكفارة مثل كفارة الظهار) أحال رحمه الله على الظهار ولم يبينه؛ لأن كفارة الظهار منصوص عليها في القرآن، فإن من أفطر في رمضان مرارًا، إن كان في يوم واحد كَفَتْه كفَّارة واحدة بالإجماع، وإن كان في رمضانين لزمه لكل يوم كفارة بالإجماع، وإن لم يكفِّر للأول في الصحيح، وإن كان في رمضان واحد فأفطر في يوم واحد ثم في يوم آخر، فإن كفَّر للأول لزمه كفارة للثاني بالإجماع، وإن لم يكفِّر للأول كَفَتْهُ كفارة واحدة عندنا. وقال الشَّافعي: لكل يوم كفارة على حدة، كَفَّرَ أو لم يُكَفِّر، بيانه: إذا جامع في يوم من رمضان فلم يكفر حتى جامع في يوم آخر من ذلك الشهر فعليه كفارة واحدة؛ لأن الكفارة عقوبة تؤثر فيها الشبهة، فجاز أن تتداخل؛ كالحدود، وإن جامع فكَفَّر ثم جامع فعليه للجماع الثاني كفارة أخرى؛ لأن الجناية الأولى انجبرت بالكفارة الأولى فصادف جماعه الثاني حرمة أخرى كاملة، فلزمه لأجلها الكفارة، وأما إذا جامع في رمضان في سنة فلم يُكَفِّر حتى جامع في رمضان آخر فعليه لكل جماع كفارة في المشهور؛ لأن لكل شهر حرمة على حدة، وذكر محمد أنه تجزيه كفارة واحدة، ولو وجبت على الصائم الكفارة فسافر بعد وجوبها لم تسقط؛ لأن هذا العذر من قِبَله] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.