فطر المجاهدين المرابطين على جبهة ال...

فطر المجاهدين المرابطين على جبهة القتال

السؤال

هل يجوز الفطر في شهر رمضان ‏للمجاهدين من الجيوش المصرية الذين ‏يحاربون الآن في ربوع فلسطين ‏لإنقاذها من شرور العصابات الصهيونية ‏الأثيمة التي تريد أن تنتزع هذا الوطن ‏العربي الإسلامي من أحضان العروبة ‏والإسلام، وتؤسس فيه دولة يهودية؟

يجوز للمجاهدين المرابطين للدفاع عن الأوطان الفطرُ في شهر رمضان؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقَدَح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب" رواه مسلم. كما أن الشرع قد أباح للمسافر الفطر بسبب ما قد يلحقه من المشقَّة، فكيف إذا كان المسافر مجاهدًا في سبيل ‏الله؟!

إنه يجوز لهؤلاء المجاهدين الذين خرجوا ‏من ديارهم للجهاد في سبيل الله وإعلاء ‏كلمته وإنقاذ هذا الوطن الإسلامي من ‏الصهيونية الباغية أن يفطروا في شهر ‏رمضان إذا استمر الجهاد فيه؛ توفيرًا ‏لقوتهم، ومنعًا لتسرب الضعف إليهم، ‏وتأسِّيًا برسول الله صلى الله عليه ‏وآله وسلم في إفطاره في شهر رمضان في ‏غزوة الفتح، فقد خرج إلى مكة في ‏العاشر من شهر رمضان على رأس ‏ثمانٍ ونصف من الهجرة ومعه عشرة ‏آلاف مجاهد، فأفطر وأمرهم بالفطر؛ روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقَدَح من ماء فرفعه، حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» رواه مسلم.
وهذا من حرصه عليه السلام على توافر ‏قواهم للقتال، وعدم تسرب الوهن إلى ‏المجاهدين، فمنعهم من صوم الفرض؛ ‏كي يستطيعوا القيام بفرض أعلى وطاعة ‏أعظم، والجهاد أفضل الأعمال بعد ‏الإيمان؛ روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ‏أي الأعمال أفضل؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ ‏وَرَسُولِهِ»، قيل: ثُمَّ ماذا؟ قال: «جِهَادٌ ‏فِي سَبِيلِ اللهِ». وسُئِل: أي النَّاس أفضل؟ ‏قال: «مُؤمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ في ‏سَبِيلِ اللهِ».
وفي "صحيح مسلم" عن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ‏‏«رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ»، وعن ابن عباس رضي الله ‏عنهما قال: "خرج رسول الله صلى الله ‏عليه وآله وسلم عام الفتح في شهر رمضان، ‏فصام حتى مرَّ بغدير في الطريق، وذلك ‏في نحر الظهيرة، فعطش الناس، فجعلوا ‏يمدون أعناقهم وتتوق نفوسهم إليه، فدعا ‏رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقَدَح ‏فيه ماء، فأمسكه على يده حتى رآه الناس، ‏ثم شرب، فشرب الناس" رواه أحمد.
وعن ابن سعيد رضي الله عنه قال: سافرنا مع رسول ‏الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة ‏ونحن صيام، فنزلنا منزلًا، فقال رسول ‏الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ»، ‏فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من ‏أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر، فقال: «إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا»، فكانت عزمة فأفطرنا. رواه ‏مسلم وأحمد وأبو داود.
وفي "نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 268): [وفي الحديث دليل ‏على أن الفطر لمن وصل في سفره إلى ‏موضع قريب من العدو أَوْلَى، فإذا كان ‏لقاء العدو محققًا فالإفطار عزيمة؛ لأن ‏الصائم يضعف عن منازلة الأقران لا ‏سيما عند غليان مراجل الضراب ‏والطعان، ولا يخفى ما في الضعف من ‏الإهانة لجنود المحقين، وإدخال الوهن ‏على عامة المجاهدين من المسلمين] ‏اهـ.
على أن هؤلاء المجاهدين ‏مسافرون بعيدًا عن أوطانهم، والسفر في ‏ذاته بقطع النظر عما فيه من الجهاد، ممَّا ‏رخص الله فيه الفطر، والله يحب أن ‏تؤتى رخصه، والفطر فيه أفضل لمن ‏يشق عليه الصوم ويتضرر به.
وفي "فتح ‏الباري" لابن حجر (4/ 183): [والراجح أن الفطر أفضل لمن ‏اشتد عليه الصوم وتضرر به ... وعن ابن ‏عمر رضي الله عنهما: من لم يقبل رخصة الله كان عليه ‏من الإثم مثل جبال عرفة] اهـ.
بل قال ابن ‏دقيق العيد في "إحكام الأحكام" ( 2/ 21): [إن كراهة الصوم في السفر ‏مختصة بمن يضره الصوم] اهـ.
وأفضلية ‏الفطر -عملًا بالرخصة- مذهب كثير من ‏العلماء، وهو قول الأوزاعي وأحمد ‏وإسحاق، وذهب بعض الأئمة إلى عدم ‏جواز الصوم للمسافر إذا خاف على نفسه ‏المشقة أو الهلاك كما حكاه الطبري، ‏وذهب كثير إلى أن الصوم في السفر لا ‏يجزئ عن الفرض، ومن صام في السفر ‏وجب عليه القضاء في الحضر؛ لقوله ‏تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرْ﴾ [البقرة: 184]، ولحديث: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِى السَّفَرِ» رواه الخمسة، وحكي هذا ‏عن عمر وابن عمر وأبي هريرة ‏والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم، ‏فكيف إذا كان المسافر مجاهدًا في سبيل ‏الله يحارب ليلًا ونهارًا في البر والبحر ‏والجو بكل أسلحة القتال وأدواته، أفلا ‏تكون المشقة عليه أشد، وخوف تسرب ‏الضعف إليه أغلب؟! وعند ذلك لا يكون ‏هناك نزاع في وجوب الفطر عليه كما ‏قدمنا.
نسأل الله لجيوش المسلمين الفوز ‏العظيم، والنصر المبين بمنِّه وكرمه. ‏آمين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

مشاركة المحتوى