العمرة في رمضان

العناصر

أحكام العمرة 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد..
فمن رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء أن كَتَب علينا عِبادَته والاستقامةَ على سبيله، تشريفًا في صورة التكليف، وإِنْعَامًا في هيئة الإلزام، وتربيةً وترقِيَة وعطاءً، فله الحمد وله الشكر، ومن ذلك أن كتب علينا قَصْدَ (حجّ) بيته الحرام لمن استطاع إليه سبيلًا؛ فقال جلَّ شأنه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97].
وأَلْحَقَ بالحج العمرةَ وأمر بإتمامهما؛ فقال تعالى ذكره: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196].
وإزاء هذه المكانة السامية للحج والعمرة، فقد ضمّنهما ربّنا سبحانه أطرافًا من سائر العبادات وحباهما بمعانٍ وأسرار، وعِبَر وآيات جديرة بالتوقف عندها، والتأمل فيها والتعرُّض لنفحاتها عسى الله تعالى أن يكتب لنا الفوز بها علمًا وعملًا، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا إلى الصواب في القول والعمل، وأن يعصمنا من الخلل والزلل.
العُمْرَة:

أولًا: تعريف العمرة:

العمرة: هي زيارة بيت الله الحرام زيارة محرم مشتملة على طواف وسعي وباقي أركان وواجبات العمرة.

ثانيًا: حكم العمرة:

اختلف الفقهاء في حكم العمرة؛ فمنهم من قال بوجوبها، ومنهم من قال بندبها فقط، ومنهم من فرق بين المكي وغيره، فأوجبها على غيره، ولم يوجبها على المكي، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها واجبة على المكي وغيره؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196]، فالأمر بالإتمام معناه الأداء والإتيان بهما؛ كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]، أي: ائتوا بالصيام، أما من لم يوجب العمرة ففهم من الإتمام ظاهره، وقالوا هذا الأمر بالإتمام إنما هو إذا بدأ المسلم في مناسك الحج أو العمرة، مما يترتب عليه حرمة فسخ تلك العبادات بعد الشروع فيها.
ويشترط لوجوب العمرة عند من أوجبها: العقل، والإسلام، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، والاستطاعة شرط لوجوب العمرة لا لصحتها، فلو اعتمر من لم تتوفر فيه شروط الاستطاعة صحت عمرته وسقط الفرض عنه.

ثالثًا: فضل العمرة:

للعمرة فضائل عديدة وخصال حميدة وآثار عظيمة؛ ومن أبرز فضائل العمرة: تكفير الذنوب واستجابة الدعوات؛ فقد ورد في ذلك المعنى أحاديث كثيرة منها: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كفَّارةٌ لما بَينهُمَا، والحَجُّ المبرورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّة» متفق عليه.
ومن فضائل العمرة أيضًا: أن تأديتها في رمضان كحجةٍ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّة مَعي» متفق عليه، فهذا الحديث دليلٌ على فضل العمرة في رمضان؛ قال العلامة ملا علي قاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (5/ 1742، ط. دار الفكر): [قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ»؛ أَيْ كَائِنَةً «تَعْدِلُ حَجَّةً»؛ أَيْ تُعَادِلُ وَتُمَاثِلُ فِي الثَّوَابِ، وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ: «حَجَّةً مَعِي»، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي إِلْحَاقِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ تَرْغِيبًا، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ فَضِيلَةَ الْعِبَادَةِ تَزِيدُ بِفَضِيلَةِ الْوَقْتِ، فَيَشْمَلُ يَوْمَهُ وَلَيْلَهُ، أَوْ بِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ فَيَخْتَصُّ بِنَهَارِهِ] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/ 605، ط. دار المعرفة): [لم يعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا في أشهر الحج كما تقدم، وقد ثبت فضل العمرة في رمضان بحديث الباب، فأيهما أفضل؟ الذي يظهر أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل، وأما في حقه فما صنعه هو أفضل؛ لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه، فأراد الرد عليهم بالقول والفعل، وهو لو كان مكروهًا لغيره لكان في حقه أفضل، والله أعلم] اهـ.

رابعًا: أركان العمرة:

تتكون العمرة من أركان وواجبات وسنن ومستحبات؛ فأما الأركان فخمسة أشياء وهي:

1. النية أو الإحرام بالعمرة

والإحرام عند الجمهور: هو نية العمرة، وعند الحنفية: نية العمرة مع الذِّكْر أو الخصوصية، ومرادهم بالذِّكْر: التلبية ونحوها مما فيه تعظيم الله تعالى، والمراد بالخصوصية: ما يقوم مقام التلبية من سَوْق الهدي أو تقليد البدن.

محظورات الإحرام:

  • - لبس المَخِيط المُحِيط، وهو ما فُصِّل على قدر الجسم أو العضو بالخياطة.
  • - تغطية الرأس أو جزء منه بالنسبة للرجل، وتغطية الوجه أو جزء منه بالنسبة للمرأة، إلا ما يحتاج إليه لستر الرأس فلا يحرم تغطيته.
  • - حَلْق الشعر أو دهنه، واستعمال الطِّيب في الثوب والبدن، وتقليم الأظافر، وقتل الصيد.
  • - عقد النكاح لنفسه أو لغيره بولاية أو وكالة، أما الخِطْبة فتكره.
  • - مقدمات الجماع من اللمس والتقبيل بشهوة.
  • - تحرم هذه الأشياء من أوَّل الإحرام إلى التحلل، ومن فعل أي محرّم منها وجبت عليه الفدية إن كان عَامِدًا بالإجماع، وإن كان نَاسِيًا فلا فدية على المفتى به.

ما يباح للمحرم:

  • - ويباح للمعتمر الاغتسال، وتغيير ملابس الإحرام، واستعمال الصابون للتنظيف ولو كانت له رائحة.
  • - وللمرأة غسل شعرها ونقضه وامتشاطه؛ فقد أذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها في ذلك بقوله: «انقُضَي رَأسَكِ وامتَشِطِي» متفق عليه.
  • - ويباح أيضًا الحجامة، وفقء الدمل، ونزع الضرس، وقطع العرق، وحك الرأس والجسد، دون شد الشعر.
  • - ويباح النظر في المرآة، والتداوي.
  • - ويباح التظلل بمظلة أو خيمة أو سقف.
  • - ويباح الاكتحال، والخضاب بالحناء للتداوي لا للزينة.
  • - ويباح قتل الذباب والنمل والغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور، وكل ما من شأنه الأذى.
  • - أما حشرات جسد الآدمي -كالبرغوث والقمل- فللمحرم إلقاؤها، وله قتلها ولا شيء عليه، وإن كان إلقاؤها أهون من قتلها.
  • - أما شم الروائح الطيبة فدائر بين الكراهة والتحريم، ومن ثَمَّ يستحب أن يمتنع المعتمر عن استعمالها قصدًا.
  • - ما ما يحدث من الجلوس أو المرور في مكان طيب الرائحة فلا كراهة فيه ولا تحريم.
  • - وإذا احتلم المحرم أو فكر أو نظر فأنزل فلا شيء عليه عند الشافعية.

2. الطواف

وفرضه سبعة أشواط عند الجمهور، وقال الحنفية: الأربعة فرض، والثلاثة الباقية واجبة.
ويشترط في هذا الطواف: سبق الإحرام بالعمرة، ثم سائر شروط الطواف العامة، وهي: أصل نية الطواف، ووقوع الطواف حول الكعبة، وأن يشمل الحجر -أي الحطيم- والتيامن، والطهارة من الأحداث والأنجاس، وستر العورة.
وهذه كلها شروط عند الجمهور، وجعل الحنفية شمول الطواف للحجر وما ذُكِرَ بعده واجبات في الطواف.
واشترط المالكية والحنابلة موالاة أشواط الطواف، وهي عند الحنفية والشافعية سنة.

3. السعي بين الصفا والمروة

ركن في العمرة عند المالكية والشافعية ورواية عند الإمام أحمد، وهو واجب عند الحنفية وهو الراجح عند الحنابلة.
وركن السعي سبعة أشواط عند الجمهور، وأربعة عند الحنفية والباقي واجب عندهم.

4. الحلق أو التقصير

وهو واجب عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وقال الشافعية في الراجح عندهم: إنه ركن، والقدر الواجب هو حلق شعر جميع الرأس أو تقصيره عند المالكية والحنابلة، وربع الرأس على الأقل عند الحنفية، وثلاث شعرات على الأقل عند الشافعية، والحلق للرجال أفضل في العمرة إلا للمتمتع؛ فالتقصير له أفضل، لكي يُبْقِي شعرًا يأخذه في الحج، والسنة للنساء التقصير فقط، ويكره الحلق في حقهن؛ لأنه مُثْلَة-أي: عقوبة أو تنكيل-.

5. الترتيب

وهو ليس ركنًا منفصلًا بل هو هيئة وكيفية لأداء تلك الأركان الأربعة، ولكنه يُعدّ ركنًا؛ لأن التفريط فيه كالتفريط في أي ركن، وذلك عن الشافعية خاصة.

وواجب العمرة: الإحرام من الميقات.

خامسًا: سنن العمرة ومستحباتها:

- يُسَنُّ للمحرم المكلف تلبيةٌ موصولةٌ بالإحرام.
- وأن يُلَبِّيَ اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن اقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لك، لا شريك لك» فحسن، وإن زاد عليها فحسن، قال أهل العلم: له أن يزيد عليها ما شاء؛ فقد روى الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يزيد فيها: "لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل"، وروى القطان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أَهَلَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فذكر مثل حديث ابن عمر في التلبية قال: والناس يزيدون "لبيك ذا المعارج" ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئًا، وأن عمر رضي الله عنه كان يقول بعد التلبية: "لبيك ذا النعماء والفضل والثناء الحسن، لبيك مرهوبًا منك ومرغوبًا إليك"، وكان أنس يقول فى تلبيته: "لبيك حقا حقًا، تَعَبُّدًا ورِقًّا"؛ وذلك لأن أمر الذكر والدعاء على السعة، والعبرة فيه حيث يجد المسلم قلبه.
- وأن يبدأ الحاج والمعتمر بالتلبية بعد الإحرام إلى أن يدخل مكة ويرى البيت الحرام، وإلا ففي الأمر سعة، ولا بأس بالتلبية في الطواف والسعي عند بعض العلماء.
- ويسنّ للمعتمر أن يستمر في التلبية إلى أن يتحلل من عمرته بالحلق أو التقصير.
- ويُسَنُّ أن يتوسط الملبي في علوّ صوته بالتلبية، بحيث لا يشق عليه.
- ويُسَنُّ تكرار التلبية كل مرة ثلاث مرات على الأقل.
- ويُسَنُّ موالاة التلبية، فلا يقطعها بكلام ولا غيره حتى يفرغ من المرات الثلاثة.
- ويُسَنُّ الإكثار من التلبية، لا سيما عند تغاير الأحوال، كإقبال الليل والنهار، والصعود والهبوط، واجتماع الرفاق، والقيام والقعود، والركوب والنـزول، وأدبار الصلوات، وفي المساجد كلها، ويستحب الدعاء بعدها، فيلبي على كل حال قائمًا وقاعدًا، وماشيًا وراكبًا، ومضطجعًا، ونازلًا وصاعدًا، سواءٌ كان متوضئًا أو غيرَ متوضئ، وسواء كانت المرأة حائضًا أو نفساء.
- ويسن للإحرام غسل متصل به متقدم عليه كالجمعة.
- ويسن لبس إزار بوسطه ورداء على كتفيه ونعلين في رجليه.
- ويسن ركعتان بعد الغسل وقبل الإحرام، ويجزئ عنهما الفرض.
- ويسن للمحرم إزالة شعثه قبل الغسل بأن يقص أظفاره وشاربه ويحلق عانته وينتف شعر إبطه ويرجّل شعر رأسه.
- ويسن الموالاة بين أشواط السعي بلا تفريق كثير ولا فصل طويل بينهما، بل يأتي بأشواط السعي متتالية.
- يسن السعي مشيًا للقادر على المشي، فمن لم يقدر جاز له أن يحمله غيره أو يركب.
- يسن الإسراع بين العلمين الأخضرين، وتكون سرعته فوق الرَّمَل- والرَّمَل هو الهرولة، بأن تسرع بمشيك مقاربًا خطاك حتى يلتف ثوبك على ساقك من السرعة-، ودون الجري، ويفعل ذلك في أشواط السعي السبعة.
- يسن للساعي أن يرقى على جبلي الصفا والمروة حتى ينظر إلى الكعبة؛ تأسيًّا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك؛ لأن النظر إليها عبادة.
- يسن طول القيام على الصفا وهو ناظر للكعبة مستقبل القبلة بوجهه، فإذا رأى الكعبة كبَّر وهلَّل ثلاثًا، ثم قال: الله أكبر على ما هدانا، ويدعو، كما يسن ذلك على المروة أيضًا.
ويستحب أن يكون الطواف متواليًا بلا فصل كثير بين الأشواط السبعة، ويستحب المشي للقادر.
- ويستحب قبل الشروع في الطواف: تقبيل الحجر الأسود أول الطواف، كما يستحب له تقبيله في أول كل شوط وليس له أن يزاحم عليه، ويكون التقبيل بلا صوت، وأكمل التقبيل أن يُقبِّله ثلاثًا يسجد عليه بجبهته بعد كل تقبيلة، فإن لم يمكنه تقبيله فليستلمه، والاستلام: أن يلمسه بيده ثم يُقبِّلها، فإن لم يستلمه فليشر إليه من بعيد بيده أو بعود ونحوه، ولا بأس بتقبيل ما أشار به.
- وكذلك يستحب استلام الركن اليماني من البيت إن قدر ثم يقبل يده، والركن اليماني هو الركن الذي يسبق الركن الذي به الحجر الأسود. فإن قبَّله مباشرة فلا بأس به؛ كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتاب "الأم".
- أما الركنان الباقيان فلا يستحب استلامهما ولا تقبيلهما عند الأئمة الأربعة، لكنه إن مسحهما فحسنٌ؛ حيث ورد ذلك عن بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، قال الإمام الشافعي في "الأم": "فإن مسحهما رجلٌ كما يمسح سائر البيت فحسنٌ"، بل إن قبَّلهما أيضًا فحَسَنٌ، قال الإمام الشافعي في "الأم": "وأيَّ البيتِ قبَّل فحَسَنٌ".
- وعلى ذلك فدعوى أن استلامهما أو تقبيلهما أو تقبيل الركن اليماني بدعة مُحَرَّمةٌ هي مجازفةٌ غير سديدة؛ قال العلامة الخطيب الشربيني: "والمرادُ بعدمِ تَقْبِيلِ الأركان الثلاثةِ إنّما هو نفيُ كونِه سُنَّةً، فلو قبَّلَهُنَّ أو غيرَهن مِن البيتِ لم يكنْ مكروهًا ولا خِلافَ الأَوْلَى، بل يكون حَسَنًا.. قال الإسنوي: فتَفَطَّنْ له؛ فإنَّه أمرٌ مُهِمٌّ".
- كما يستحب الموالاة بين السعي والطواف، فإذا أتمّ الحاج الطواف مع سننه استحب له السعي بين الصفا والمروة.
- ويستحب للمعتمر التكبير كلما قام بتقبيل الحجر الأسود، أو وضع يده عليه، أو لمسه بعود وقبله بفمه، أو أشار إليه، كما يستحب له أن يدعو الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
- ويستحب أن يرمل الرجل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف إلا لازدحام يمنعه من ذلك. والرَّمَل هو الهرولة، بأن تسرع بمشيك مقاربًا خطاك حتى يلتف ثوبك على ساقك من السرعة.
- والرمل مستحب في حق الذكر فقط وأما الأنثى فيكره لها الرمل، فمن كان معه نساء يخاف ألَّا يُدْرِكْنَه فلا يرمل؛ لأن الضعيف أمير الركب.
- ويستحب الدعاء أثناء الطواف بما يحب من: طلب علم، وعافية، وتوفيق، وسعة رزق.
- ويستحب أن يقطع الطواف لصلاة الفريضة جماعة مع الإمام الراتب، ويبني على ما فعله من طوافه بعد سلامه من الصلاة، فيكمل ما بقي له من أشواط الطواف السبعة.
- ويستحب الدعاء بعد الفراغ من الطواف بالملتزم، -وهو: جدار الكعبة الذي بين الحَجَر الأسود وباب الكعبة-؛ فإن الدعاء عنده مستجاب، فإما أن يدعو عنده بعد الطواف مباشرة أو بعد الركعتين، أو يجمع بينهما.
- ويستحب صلاة ركعتين بعد الفراغ من الطواف، وينوي بهما ركعتي الطواف اللتين بعده، ويستحب أن تكون الركعتان خلف مقام إبراهيم، بحيث يكون مقام إبراهيم بين المعتمر وبين الكعبة، فإذا توجه إلى مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام قرأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125]، ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة "الكافرون" وفي الثانية "الإخلاص"، وإن لم يتيسر فَليُصَلِّ في حجر إسماعيل، وإلا ففي بقية المسجد، ويستحب أن يدعو عقب صلاته بما يحب من أمور الدنيا والآخرة؛ لأنه يستجاب الدعاء في هذا المكان.
- ويستحب تقبيل الحجر الأسود بعد صلاة ركعتي الطواف وقبل الخروج من المسجد إلى السعي، فإذا فرغ من الصلاة والدعاء رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه وقبله، ويضع جبهته عليه، ثم يكبر ثلاثًا، ثم ينتقل إلى الملتزم -وهو بين باب الكعبة وركن الحجر- ويضع صدره عليه، ويدعو بما شاء.
- كما يستحب الموالاة بين السعي والطواف، فإذا أتمّ المعتمر الطواف مع سننه استحب له السعي بين الصفا والمروة.
- ثم يرجع إلى زمزم، ويشرب من مائها متضلعًا -يشرب الماء حتى تمتلئ أضلاعه- مستقبلًا الكعبة ذاكرًا اسم الله داعيًا عند شربه ناويًا به دفع العطش يوم القيامة.

كيف تعتمر:

 العمرة (اجمالاً)

وها أنت أيها الحاج قد هيأت نفسك لبدء الرحلة المباركة -تقبلها الله منك- وقد أعددت ما يلزم لها، فعليك بالإحرام من الميقات، ومتى دخلت مكة المكرمة فاطمئن أولًا على أمتعتك في مكان إقامتك، ثم اغتسل -إن استطعت- أو توضأ؛ وتوجه إلى البيت الحرام لتطوف بالبيت سبعًا وأنت متطهر، فإذا فرغت من أشواط الطواف السبعة فصَلِّ ركعتين خفيفتين في مقام إبراهيم إن استطعت ناويًا بهما سنة الطواف، ثم توجه إلى مياه زمزم وتشبع منها، فإن ماءها لما شرب له، ثم اسْعَ بين الصفا والمروة سبعًا بادئا بجبل الصفا.
وأخيرًا تحلل من عمرتك بالحلق أو التقصير، والحلق أفضل للرجال وحرام على النساء، وتقصر المرأة بضع شعرات من ضفيرتها.
ولا تنس أخي المسلم زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنها من أفضل القربات إلى الله جل جلاله.

 العمرة تفصيلاً:

مبارك عليك أيها المعتمر وهنيئًا لك زيارة بيت الله الحرام وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهنيئًا لك عمرتك في هذا الشهر الكريم؛ فإن تأديتها في رمضان كحجةٍ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّة مَعي» متفق عليه.
وها أنت أيها الحاج قد هيأت نفسك لبدء الرحلة المباركة، وقد أعددت ما يلزم لها، ومن هذا اللازم:

ملابس الإحرام:

(أ) إزار: وهو ثوب من قماش تلفه على وسطك تستر به جسدك ما بين سرتك إلى ما دون ركبتك.
وخيره الجديد الأبيض الذي لا يشف عن العورة "بشكير".
(ب) رداء: وهو ثوب -كذلك- تستر به ما فوق سرتك إلى كتفيك فيما عدا رأسك ووجهك.
وخيره أيضًا الجديد الأبيض "بشكير".
واحذر أن تلبس -في مدة الإحرام- فانلةً أو جوربًا أو جلبابًا أو شيئًا مما اعتدت لبسه من الثياب المفصَّلة المخيطة.
لكن إذا كنت مضطرًا فلك أن تلبس ذلك مع الفدية؛ فقد قال الله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيةٌ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196].
(ج) نعل تلبسه في رجليك يظهر منه الكعب من كل رِجْلٍ، والمراد بالكعب هنا: العظم المرتفع بظاهر القدم.
كل هذا للرجل، أما المرأة فتلبس ملابسها المعتادة، الساترة لجميع جسدها من شعر رأسها حتى قدميها، ولا تكشف إلا وجهها وكفيها، وعليها ألا تزاحم الرجال، وأن تكون ملابسها واسعة لا تبرز تفاصيل الجسد وتلفت النظر، والمستحب الأبيض.

أحوال السفر لأداء المناسك:

ومتى تحدد موعد السفر -بحمد الله- ووسيلته:
فإذا كنت متوجهًا إلى المدينة المنورة أولًا فلا تحرم، ولا تلبس ملابس الإحرام، بل ابق بملابسك العادية إلى أن تتم زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنتهي إقامتك بالمدينة.
وعندما تشرع في التوجه إلى مكة فإن عليك أن تحرم بالعمرة من الميقات، وتهيأ للإحرام: بحلق شعرك، وقص أظافرك، ويسن لك الاغتسال استعدادًا للإحرام، أو توضأ إن لم يتيسر لك الاغتسال، وَضَعْ على جسدك شيئًا من الرائحة الطيبة المباحة، والبس ملابس الإحرام الموصوفة آنفًا.
ومتى لبست ثياب الإحرام على هذا الوجه -أي: بعد التطهر بالاغتسال أو الوضوء- صلّ ركعتين سنة وانوِ في قلبك عقب الفراغ من أدائهما العمرة، وقل: اللهم إني نويت العمرة عن نفسي -أو عمن وكّلك- فيسرها لي وتقبلها مني.
ثم قل: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، وبهذا القول بعد تلك النية تصير مُحْرِمًا بالعمرة؛ لأن هذه التلبية بمثابة تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة.
وإذا كنت مسافرًا بالطائرة: فاستعد بالإحرام وأنت في بيتك أو في المطار أو في داخل الطائرة، والبس ملابس الإحرام إن لم يكن بك عذر مانع من لبسها، ثم انو العمرة -كما سبق بيانه- بعد ارتداء ملابس الإحرام، أو عند استقرارك في الطائرة، أو عقب تحركها، وذلك متى كنت متوجهًا إلى مكة مباشرة، أما إذا كنت متوجهًا إلى المدينة أولًا فكن عاديا في كل شيء.
ومتى صرت محرِمًا على هذا الوجه فلا تفعل، بل ولا تقترب مما صار مُحَرَّمًا عليك بهذا الإحرام (محظورات الإحرام)، ويباح لك ما يباح للمحرم.

دخول مكة:

وها أنت أيها المعتمر على مشارف مكة محرمًا، فمتى دخلتها -بعون الله وتوفيقه- فاطمئن أولًا على أمتعتك في مكان إقامتك، ثم اغتسل -إن استطعت- أو توضأ.

دخول المسجد الحرام:

ثم توجه إلى البيت الحرام؛ لتطوف طواف العمرة فعند رؤيتك الكعبة المشرفة قل: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الحمد لله الذي بلَّغني بيته الحرام، اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك، اللهم زد بيتك هذا تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد مَن شرَّفه وكرَّمه -ممن حجه أو اعتمره- تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًّا، اللهم أنت السلام ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام، وأدخلنا دار السلام)، ثم ادع بما يفتح الله به عليك، فالدعاء في هذا المقام مقبول بإذن الله تعالى.
وإذا لم تحفظ شيئًا من الأدعية المأثورة فادع بما شئت وبما يمليه عليك قلبك، ولا تشغل نفسك بالقراءة من كتابٍ غيرِ القرآن، فهو الذي تقرؤه وتكثر من تلاوته.

الطواف بالبيت:

ثم اقصد إلى مكان الطواف؛ لتبدأه وأنت متطهر، واستقبل الكعبة المشرفة تجاه الحجر الأسود، واجعله على يمينك؛ لتمر أمامه بكل بدنك، واستقبله بوجهك وصدرك، وارفع يديك حين استقباله كما ترفعها في تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة ناويًا الطواف، مكبرًا، مهللًا، معلنًا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، قائلًا: (اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم).
ثم قبل الحجر الأسود فإن شق عليك ذلك فلتسْتلِمْه بيدك ولتقبِّلْ يدك، وإلا أشرت إليه دون تقبيل، واجعل الكعبة على يسارك مبتدئًا من قبالة الحجر الأسود، وسر في المطاف -مع الطائفين- حتى تتم سبعة أشواط بادئًا بالحجر الأسود ومنتهيًا إليه في كل شوط.
ويستحب أن تقول عند استلام الحجر ما تقدم من التكبير والتهليل، ودعاء: (اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم).
ولا تشتغل في الطواف بغير ذكر الله والاستغفار والدعاء وقراءة ما تحفظ من القرآن مع الخضوع والتذلل لله، ومن أفضل الدعاء ما جاء في القرآن الكريم؛ كقوله تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة: 201]، ولا ترفع صوتك، ولا تؤذ غيرك.
واستشعر الإخلاص؛ فالله تعالى يقول: ﴿ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعًا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].
ركعتا الطواف:
فإذا فرغت من أشواط الطواف السبعة توجه إلى المكان المعروف بمقام إبراهيم وصَلِّ فيه -منفردًا- ركعتين خفيفتين ناويًا بهما سنة الطواف، أو صلهما في أي مكان في المسجد إن لم تجد متسعًا في مقام إبراهيم، وادع الله بما تشاء وما يفتح به عليك.
ثم توجه إلى الملتزم وهو المكان الذي بين باب الكعبة والحجر الأسود، فإن استطعت الوصول إليه فضع صدرك عليه مادًّا ذراعيك، متعلقًا بأستار الكعبة، واسأل الله من فضله لنفسك ولغيرك فإن الدعاء هنا مرجو الإجابة إن شاء الله تعالى.

الشرب من ماء زمزم:
ثم توجه إلى مياه زمزم واشرب منها ما استطعت، فإن ماءها لما شرب له، كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَاءُ زَمْزَمَ، لِمَا شُرِبَ لَهُ» "سنن ابن ماجه".

السعي بين الصفا والمروة:
ثم اذهب -بعد شربك من ماء زمزم أو بعد وقوفك بالملتزَم- واسْعَ بين الصفا والمروة بادئًا بالصفا منتهيًا بالمروة، ومتى صعدت إلى الصفا فهلل وكبر، واستقبل الكعبة المشرفة، وصلِّ على النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وادع لنفسك ولمن تحب ولنا معك بما يشرح الله به صدرك.
ثم ابدأ أشواط السعي -سيرًا عاديًّا- من الصفا إلى المروة في المسار المعدّ لذلك مراعيًا النظام والابتعاد عن الإيذاء.
وأسرع قليلًا في سيرك بين الميلين الأخضرين -في المسعى القديم والجديد علامة تدل عليهما-، وهذا الإسراع هو ما يسمى "هرولة" وهي خاصة بالرجال دون النساء.
فإذا بلغت المروة قف عليها قليلًا مكبرًا مهللًا مصليًّا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، جاعلًا الكعبة تجاه وجهك داعيًا الله تعالى بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة لك ولغيرك، وبهذا تم شوط واحد.
ثم تابع الأشواط السبعة على هذا المنوال مع الخشوع والإخلاص والذكر والاستغفار، وردد ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الموطن: «ربّ اغفِرْ وارْحَمْ، واعفُ عمّا تَعْلَم، أنتَ الأعزُّ الأكْرَمُ، ربّ اغفِرْ وارْحَمْ واهدِنِي السَّبيلَ الأَقْوَم».
وبانتهائك من أشواط السعي السبعة تكون قد أتممت العمرة التي نويتها حين الإحرام.

التحلل من العمرة:
وبعدها احلق رأسك بالموسى، أو قص شعرك كله أو بعضه، والحلق أفضل للرجال وحرام على النساء، وتقصر المرأة بضع شعرات من ضفيرتها.
وبهذا الحلق أو التقصير للشعر يتحلل المحرم من إحرام العمرة رجلًا كان أو امرأة، ويحلّ له ما كان محظورًا عليه، فليلبس ما شاء، ويتمتع بكل الحلال الطيب.
وإذا أراد المعتمر بعد ذلك أن يحرم بعمرة أخرى فعليه أن يخرج من الحرم إلى أدنى الحِلِّ أو إلى التنعيم والإحرام بالعمرة من هناك.
وعلى المسلم أن يبادر بزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنها من أفضل القربات إلى الله جل جلاله؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]، وبها ينال المسلم الشفاعة؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا تُعْمِلُهُ حَاجَةٌ إِلَّا زِيَارَتِي؛ كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الطبراني، وقال صلى الله عليه وآله وسلم :«مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» رواه الطبراني وغيره، ومن آداب زيارته صلى الله عليه وآله وسلم: الوقوف أمام مقامه الشريف بأدب، ويلتزم بخفض الصوت، ويسلم قائلًا: "السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته".
 

الفتاوى المتعلقة بالعمرة

الإنفاق على الفقراء بدلا من الحج والعمرة في أيام الوباء
إنشاء صندوق للحج والعمرة وإيداع أمواله في البنك
أداء العمرة للحائض
تأجيل العمرة خوفا من انتشار مرض كورونا
تقبيل الحجر الأسود وملامسته في أزمنة الوباء
حكم تكرار العمرة للمتمتع
حكم من ترك الحلق والتقصير في العمرة
حكم من ترك السعي في الحج أو العمرة
فضل العمرة في رمضان عن باقي أيام السنة

 

مشاركة المحتوى