السؤال
أنا مصري مقيم في دبي، وكنت في رحلة عمل إلى أمريكا، وأنا صائم صيام رمضان، ويوم رحلة العودة كان يوم الجمعة وبدأته بالصيام ولم أفطر حتى بعد أن صعدت الطائرة؛ حيث بدأت رحلتي قبل المغرب بحوالي 3 ساعات، واستغرقت رحلتي 14 ساعة بالطائرة، ولم أشهد غروب الشمس طوال الرحلة، فأكملت الصيام حتى وصلت الطائرة وقت المغرب من يوم الغد إلى دبي.
ونظرًا لفروق التوقيت بين البلدين وصلت يوم السبت إلى دبي، وعلى الرغم من أنه كان يوم صيام طويلًا حوالي 28 ساعة، ولكن كان بالنسبة لي يومًا واحدًا بدلًا من يومين، فما حكم صيامي؟ وهل يجب عليَّ أن أقضيَ اليوم الناقص؟
طول مدةِ الصيام بسبب السفر يعد رخصة شرعية تبيح للمسافر الفطر، وعليه القضاء، وإذا ما أراد المسافر أن يتم صومه وظل مسافرًا على متن الرحلة لمدة متواصلة تجعل مجموع عدد ساعات صيامه في ذلك اليوم يزيد على ثماني عشرة ساعة؛ نظرًا لاستمرار ظهور الشمس وعدم غيابها في أي نقطة مرَّ بها أثناء التحليق في الجو، فالمختار للفتوى في هذه الحالة أن يعتمد في إفطاره على توقيت أهل مكة؛ فيصوم عددَ الساعات التي يصومونها في ذلك اليوم، ويفطر في نهايتها، ولا يضرُّه ظهورُ الشمس أمامَه، ولا يحتاج إلى قضاء ذلك؛ لأنه اتبع أمرَ الشرع الشريف بالتقدير لاختلال العلامات حال سفره.
أمرنا الشرع الشريف بمراعاة العلامات الظاهرة في بداية الصوم ونهايته؛ كما في قولِه تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187]، وما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري.
والعبرة في إمساك الصائم عن المفطرات بالتحقق من طلوع الفجر الصادق؛ إما حسًّا، أو بإخبار من يُعْتدُّ بإخباره، أو سماع أذان الفجر، وكذا الحال في الإفطار؛ فالعبرة فيه تكون بتحقق الصائم من غروب الشمس ودخول الظُّلمة؛ إما حسًّا، أو خبرًا، أو سماع أذان المغرب.
والأصل في مواقيت العبادات الشرعية وعلاماتها أن يجري حسابها وضبطها على ما يناسب عموم الناس وتكثر فيه سكناهم وحواضرهم، وهو مستوى سطح البحر، فإذا اختلف هذا المستوى اختلافًا تتغير معه هذه العلامات أو شيء منها، كان ذلك مستوجبًا لإعادة النظر في توقيت العلامات حسب التغير الحادث.
ففي حالة راكب الطائرة التي تطير مثلًا على ارتفاع أحدَ عشر كيلو مترًا فوق سطح الأرض يتأخر غروب الشمس بالنسبة لمن هم في الطائرة حوالي ثلاث عشرة دقيقة ونصف الدقيقة عن أهل البلد الذي تطير فوقه الطائرة، وذلك طبقًا للمعادلة الرياضية التي يُحسَب ذلك من خلالها على جهة الدقة، حيث قرَّر المتخصصون أن ارتفاع الطائرة يؤخر زمن غروب الشمس تبعًا للمعادلة:
[(t = 0.129 (√h]؛ حيث (h√) هو الجذر التربيعي للارتفاع h بالمتر عن سطح البحر، وبذلك يكون تأخير الغروب نتيجةً للارتفاع بالطائرة 11كم حوالي 13.5 دقيقة.
والسبب في ذلك: انحناء سطح الأرض وكرويتها، وهذا يؤدي إلى ما يُسَمَّى بالأفق الظاهري أو الأفق التُّـرْسي؛ حيث تزداد سعة أفق الرؤية كلما زاد الارتفاع، فإذا صعد الإنسان ارتفاع مائة متر كانت سعة أفق رؤيته دائرةً نصف قطرها ستة وثلاثون كيلو مترًا، فإن ارتفع أربعمائة متر صار نصف قطر دائرة أفق الرؤية ثمانية وسبعين كيلو مترًا، فإن صعد كيلو مترًا واحدًا صار امتداد نصف قطر الدائرة مائةً واثني عشر كيلو مترًا، وهكذا.
وقد نصَّ الفقهاء على أن الارتفاع عن سطح البحر يتغير به وقتُ شروق الشمس وغروبها:
قال العلامة عبد الرحمن شيخي زاده الحنفي في "مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر" (1/ 237، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي الأقضية صحح رواية الطحاوي واعتمد عليها لقلة الموانع، فإن هواء الصحراء أصفى، فيجوز أن يراه دون أهل المصر، وكذا إذا كان على مكان مرتفع في المصر لاختلاف الطلوع والغروب باختلاف المواضع في الارتفاع والانخفاض. قال في "خزانة الأكمل": أهل إسكندرية يفطرون إذا غربت الشمس، ولا يفطر من على منارتها؛ فإنه يراها بعد حتى تغرب له، هذا على رواية الطحاوي، وأما في ظاهر الرواية فلا عبرة به] اهـ.
وقال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 392، ط. دار الفكر): [قال ابن بشير: ووقت المغرب إذا غاب قرص الشمس بموضع لا جبال فيه، فأما موضع تغرب فيه خلف جبال فينظر إلى جهة المشرق، فإذا طلعت الظلمة كان دليلًا على مغيب الشمس اهـ.
وقال في "الجواهر": والمُرَاعَى غيبوبةُ جِرمها وقرصها دون أثرها وشعاعها، وقاله ابن الحاجب. قال ابن فرحون: ولا عبرة بمغيب قرصها عمن في الأرض حتى تغيب عمن في رؤوس الجبال] اهـ.
وقال العلامة البجيرمي الشافعي في حاشيته على "مغني المحتاج" للشيخ الخطيب الشربيني (1/ 391، ط. دار الفكر) عند قوله: (والمراد تكامل الغروب، ويُعرَف في العمران بزوال الشعاع عن رؤوس الجبال وإقبال الظلام من المشرق)؛ قال: [(بزوال الشعاع) هذا فيما فيه جبال أو فيه بناء فعلامته زوال الشعاع من رؤوس الجبال وأعالي الحيطان، وأما الصحاري فيكفي فيها تكامل سقوط القرص وإن بقي الشعاع] اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "المبدع شرح المقنع" (1/ 302، ط. دار الكتب العلمية): [وغيبوبة الشمس سقوط قرصها، وحكى الماوردي أنه لا بد من غيبوبة الضوء المستعلي عليها. قلت: ويعرف الغروب في العمران بزوال الشعاع من رؤوس الجبال، وإقبال الظلام من المشرق] اهـ.
ومقتضى ذلك أن الإفطار المعتبر في حق المسافرين عبر الطائرة إنما يكون برؤيتهم غروب الشمس بكل قرصها -بالنسبة إليهم، وفي النقطة التي هم فيها- وقد تطول أحيانًا مدة الصيام لاستمرار رؤية المسافر الشمس ظاهرة في الأفق، نظرًا لطول ساعات التحليق في الجو؛ ولذا فلتحديد وقت الغروب الذي يجوز الإفطار فيه حالتان:
الأولى: غياب الشمس ثم خروجها مرة أخرى من جهة الغرب، فهنا يفطر الصائم ولا يلتفت لردها وعودتها مرة أخرى، لتغير النقطة والمكان الموجود فيهما المسافر لتحرك الطائرة وسرعتها.
والثانية: استمرار سطوع الشمس وعدم رؤية غروب قرصها طوال الرحلة -وهي الحالة المسؤول عنها- وفيها مسلكان للعلماء:
الأول: وجوب استمرار الصائم في صيامه حتى يتحقق من غروب الشمس -بالنسبة إليه وفي النقطة التي هو فيها-، وذلك لعموم الأدلة السابقة التي توجب على الصائم أن ينتظر في فطره حتى غروب الشمس، ولا اعتبار في ذلك بزيادة ساعات الصيام عن القدر المعتاد وإن ظلت الشمس ساطعة ولم تغرب إلا في آخر الرحلة أو بعد الوصول إلى البلد الأخرى.
فالعبرة في حق المسافر بالبلد المنتقل إليه لا المنقول منه، سواء في الإفطار أو الإمساك أو التعييد -كما قرَّره الإمام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (8/ 87، ط. المكتبة التجارية الكبرى)-، كما أن الوقت مستمر بظهور الشمس ولم يخرج وإن طال، قياسًا على ما استفاده الفقهاء من حديث رد الشمس؛ حيث قالوا بتجدُّد الوقت برد الشمس. ينظر: "شرح مشكل الآثار" للإمام الطحاوي (3/ 92)، و"حاشية ابن عابدين" (1/ 360-361)، و"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" للقرطبي (ص: 141)، و"فتاوى الإمام الرملي" (4/ 325).
والثاني: التقدير في مدة الصيام، باعتبار أن هذه الحالة تلحق بحالة اختلال المواقيت لتحقق العلة في كلٍّ؛ وهي عدمُ انضباطِ الأسباب المعتادة التي أناط بها الشرع الشريف العبادة، فكما أنه حاصل في الاختلال، فإنه حاصل أيضًا في اختفاء الغروب في هذه الصورة.
وهو المفهوم من كلام الإمام الزركشي من الشافعية؛ حيث قال بتقدير الغروب وخروج الوقت في حالة تأخر غروب الشمس عن الوقت المعتاد وإن كانت موجودة -كما في حاشية العلامة الشرواني على "تحفة المحتاج" (1/ 419، ط. المكتبة التجارية الكبرى)-، وسيأتي نص كلامه لاحقًا في النقل عن الإمام السيوطي.
وهو ما ذكره أيضًا بعض المحققين من الشافعيَّة؛ حيث ذهبوا إلى التقدير في حالة زيادة ساعات النهار ليوم واحد زيادةً تسبب فوات الليلة الآتية، ولا يخفى حصولُ ذلك بالنسبة إلى المسافر في الطائرة نتيجة طول النهار واستمرار ظهور الشمس أثناء التحليق في الجو كما في واقعة السؤال.
قال العلامة الشرواني في حاشيته على "تحفة المحتاج" (1/ 419، ط. المكتبة التجارية الكبرى) موجِّهًا للمفهوم من كلام الإمام الزركشي السابق تعليقًا على قول الماتن: [(وقضية كلام الزركشي خلافه وأنه لو تأخر غروبها عن وقته المعتاد قدر غروبها عنده وخرج الوقت وإن كانت موجودة اهـ. وما ذكره آخرًا بَعِيدٌ): وقد يتجه أنه حيث طال الليل أو اليوم؛ فإن لزم من طوله فوات نهار أو ليل قدر، وإلَّا بأن لم يفت شيء من ليالي الشهر ولا أيامه لم يقدر] اهـ.
وقال العلامة ابن القاسم العبادي في حاشيته على "تحفة المحتاج" (المرجع السابق): [(قوله: عاد الوقت) فيه أبحاث منها أن الظاهر أنَّ حاصل عود الوقت أنه زيد في ذلك اليوم زيادة، وأن تلك الزيادة لا تنقص من الليلة الآتية.. وقد تمنع المخالفة بتصوير ما هنا بما إذا امتدَّ النهار لكن لم يفُت الليل، وما يأتي بما إذا امتدَّ بحيث فات كأن امتدَّ قدر يوم وليلة، وقد يتجه أنه حيث طال الليل أو اليوم، فإن لزم من طوله فوات نهار أو ليل قدر، وإلا بأن لم يفت شيء من ليالي الشهر ولا أيامه لم يقدر] اهـ بتصرف.
كما أن الأحكام الشرعيَّة تُبنى على الغالب المعتاد لا على الصورة النادرة كما هو تقرير المحققين من الأصوليين والفقهاء، فضلًا عن مراعاة الشرع الشريف لبعض الأحوال التي قد تحصل في بعض الأوقات أو في بعض البلاد من اختلال المواقيت المعتادة كما هو الشأن في البلاد التي تطول فيها ساعات النهار صيفًا عن الحد المعتاد، أو قد تغيب بعض العلامات التي جعلها الله تعالى سببًا للأحكام الشرعية في الصلاة والصيام؛ مِن فَجرٍ وشروقٍ وزوالٍ وغروبٍ وذهابِ شفقٍ، ونحوها.
والأصل في صحَّة الأخذ بالتقدير وترك العلامات في حالة اختلال المواقيت الحديثُ الوارد في خبر الدَّجَّال، الذي رواه الإمام مسلم في "صحيحه" وغيرُه مِن حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه حين قَص النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم مِن خبر الدجَّال، قلنا: يا رسولَ اللهِ وما لبْثُه في الأرض؟ قال: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا: يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ»، قلنا: يا رسولَ اللهِ، فذلك اليومُ الذي كَسَنَةٍ أتَكْفينا فيه صلاةُ يومٍ؟ قال: «لَا؛ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ».
وحالة أيام الدجَّال هي حالة اختفاءٍ للمواقيت، وهي متحققةٌ في مناطق القطبين التي يستمر الليل فيها ستة أشهر والنهار ستة أشهر، وقد ألحق العلماء بها حالة اختلال المواقيت في المناطق المقاربة للقطبين أيضًا والتي يستمر فيها سطوع الشمس مدة طويلة تخرج عن عادتها في البلاد المعتدلة، ويلحق بذلك عدم غياب الشمس في حق المسافر بالوسائل التي تطير في الأجواء المرتفعة جدًّا بحيث تظل ساطعة طوال التحليق لاتجاهها جهة المغرب فلا تغيب الشمس في أي نقطة يمر فيها المسافر؛ لتحقق العلة في كلٍّ، وهي عدم انضباط الأسباب المعتادة التي أناط بها الشرع العبادة.
يقول العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 366، ط. دار الفكر): [تتمة: لم أرَ مَن تعرَّض عندنا لحكم صومهم فيما إذا كان يطلع الفجر عندهم كما تغيب الشمس، أو بعده بزمان لا يَقدِرُ فيه الصائمُ على أكل ما يقيم بِنْيَتَهُ. ولا يمكن أن يقال بوجوب موالاة الصوم عليهم؛ لأنه يؤدي إلى الهلاك، فإن قلنا بوجوب الصوم يلزم القول بالتقدير، وهل يُقَدَّرُ لهم بأقرب البلاد إليهم كما قال الشافعية هنا أيضًا، أم يُقَدَّرُ لهم بما يَسَعُ الأكل والشرب، أم يجب عليهم القضاء فقط دون الأداء؟ كلٌّ مُحتَمَلٌ. ولا يمكن القول بعدم وجوب الصوم عليهم أصلًا؛ لأن الصوم قد وُجِدَ سببُه، وهو شهودُ جزءٍ من الشهر وطلوعُ فجرِ كلِّ يوم. هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم] اهـ.
ويقول الحافظ السيوطي الشافعي في "الحاوي للفتاوي" (2/ 304، ط. دار الكتب العلمية): [إن البرهانَ الفَزَاري أفتى بوجوب صلاة العشاء والحالة هذه، وأفتى معاصروه بأنها لا تجب عليهم؛ لعدم سبب الوجوب في حقهم وهو الوقت. ويُؤَيِّدُ الأولَ الحديثُ الواردُ في أيام الدجال حيث قال فيه: «اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ». قال الزركشي في "الخادم": وعلى هذا يُحكَمُ لهم في رمضان بأنهم يأكلون بالليل إلى وقت طلوع الفجر في أقرب البلاد إليهم، ثم يُمسِكُون ويُفطِرون بالنهار كذلك قبل غروب الشمس إذا غربت عند غيرهم؛ كما يأكل المسلمون ويصومون في أيام الدجال] اهـ.
وقياس هذا الاختلال مأخوذٌ من الواقع: وهو ثماني عشرة ساعة فما يزيد، وهو نصف اليوم ونصف نصفه؛ حيث يصعب على الإنسان صيام ثماني عشرة ساعة متواصلة ويزيد، وذلك بقول المختصين الذين يقررون أن الامتناع عن الطعام والشراب طوال هذه المدة يضرُّ بالجسد البشري قطعًا؛ وذلك على المعهود من أحوال البشر وتَحَمُّلِ أبدانهم، وما كان ذلك فلا يصحُّ أن يكون مقصودًا بالتكليف شرعًا.
والمختار في الفتوى هو المسلك الثاني القائل بالتقدير؛ لموافقته لمقاصد الشرع الشريف وقواعده، التي منها: رفع الحرج عن المكلفين؛ خاصة أن المسافر -في الحالة المسؤول عنها- قد ركب الطائرة في آخر النهار من يومه وهو صائم، مما جعل عدد ساعات صومه يزيد عن عشرين ساعة ليوم واحد، مما يوقعه في المشقة والحرج، بالإضافة إلى المشقة الزائدة المركبة في السفر.
والمُقتَرَحُ في هذه الحالة أن يسير تقدير الصوم للمسافرين بالطائرة إذا لم تغرب الشمس لديهم في النقطة التي هم فيها وزاد عدد ساعات صيامهم عن ثماني عشرة ساعة -على مواقيت مكة المكرمة؛ حيث إن الله قد عدها أمَّ القرى، والأم هي الأصل، وهي مقصودةٌ دائمًا؛ ليس في القبلة فقط، بل في تقدير المواقيت إذا اختلَّت، وعلى ذلك يبدأ المسافر بالصيام مِن وقت فَجر بلده المَحَلِّي، ثم يُتِم صومه على عدد الساعات التي يصومها أهل مكة المكرمة في ذلك اليوم، وذلك بالاطلاع على مواقيتهم، مع مراعاة أن الحد الأعلى لاعتدال النهار هو ثماني عشرة ساعة، وحده الأدنى ست ساعات.
هذا، وقد رخص الله تعالى للصائم المسافر أن يفطر وعليه القضاء، متى كانت مسافة سفره لا تقل عن مرحلتين، وتُقَدَّران بنحو ثلاثة وثمانين كيلو مترًا ونصف الكيلو متر، بشرط أن لا يكون سفره هذا بغرض المعصية، قال تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، فمتى تحقق وصف السفر في الصائم ولم يكن إنشاؤه بغرض المعصية جاز له الفطر؛ سواء أشتمل سفره على مشقة أم لا، وسواء أتكرر سفرُه هذا أم لا.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن طول مدةِ الصيام بسبب السفر رخصة شرعية تبيح للمسافر الفطر، وعليه القضاء، وإذا ما أراد المسافر أن يتم صومه وظل مسافرًا على متن الرحلة لمدة متواصلة تجعل مجموع عدد ساعات صيامه في ذلك اليوم يزيد على ثماني عشرة ساعة؛ نظرًا لاستمرار ظهور الشمس وعدم غيابها في أي نقطة مرَّ بها أثناء التحليق في الجو؛ فالمختار في الفتوى في هذه الحالة أن يعتمد في إفطاره على توقيت أهل مكة، فيصوم عددَ الساعات التي يصومونها في ذلك اليوم، ويفطر في نهايتها، ولا يضرُّه ظهورُ الشمس أمامَه، ولا يحتاج إلى قضاء ذلك؛ لأنه اتبع أمرَ الشرع الشريف بالتقدير لاختلال العلامات حال سفره.
والله سبحانه وتعالى أعلم.